“بيوديباي” ضد T-Series: لماذا شغلت هذه المعركة يوتيوب وثقافة الإنترنت ككل

قبل سنوات عديدة وفي عام 2008 أو ربما 2009، أتذكر جيداً المرة الأولى
التي تصفحت فيها موقع يوتيوب، وفي حينها كان الأمر بأكمله مذهلاً بالنسبة
لي بالأخص مع سرعات الإنترنت المتدنية التي لم تكن تسمح بالأمر قبلها،
والأهم ربما هو أنني جربت إحساس المشاهدة حسب الطلب بدلاً من مشاهدة ما
تقرره قنوات التلفاز المقيتة والتي

The post "بيوديباي" ضد T-Series: لماذا شغلت هذه المعركة يوتيوب وثقافة
الإنترنت ككل appeared first on أراجيك .قبل سنوات عديدة وفي عام 2008 أو
ربما 2009، أتذكر جيداً المرة الأولى التي تصفحت فيها موقع يوتيوب، وفي
حينها كان الأمر بأكمله مذهلاً بالنسبة لي بالأخص مع سرعات الإنترنت
المتدنية التي لم تكن تسمح بالأمر قبلها، والأهم ربما هو أنني جربت إحساس
المشاهدة حسب الطلب بدلاً من مشاهدة ما تقرره قنوات التلفاز المقيتة
والتي كانت تتناوب كما يحب أهلي بين نشرات أخبار مضحكة من شدة تحيزها،
ودراما مملة لم تكن تستهويني.

عندما بدأت بمشاهدة يوتيوب في البداية، أتذكر جيداً أنني كنت أشاهده عبر
شاشة هاتفي من نوع Nokia N73، ونظراً لتقييدي بباقة بيانات صغيرة جداً
فقد كان كل ما أستطيع مشاهدته حقاً هو بضع دقائق يومية وبالطبع في حينها
كنت أشاهد قناة Smosh التي كانت تمتلك شعبية لا تضاهى حينها.

اليوم وبعد أكثر من 10 سنوات على تجربتي الشخصية، وأكثر من 14 عاماً على
عمر موقع يوتيوب نفسه بات من الواضح أن الأمور قد تغيرت بشدة. وما يمكن
تسميته "يوتيوب أيام زمان" الذي كان يركز على صانع المحتوى كما المحتوى
نفسه (أو أكثر أحياناً) لم يعد كما كان في الماضي. اليوم بات تغير يوتيوب
أمراً حتمياً وواضحاً وربما المعركة المحسومة على صدارة قنوات يوتيوب هي
ما يجسد هذا التغيير الذي سار ببطء ليصل إلى حاله اليوم.

يوتيوب أيام زمان وصانع المحتوى الوحيد

قبل أن تصبح كلمة يوتيوبر مرتبطة بالثراء، كانت ترتبط بالجلو وحيداً في
غرفتك امام كاميرا

طوال الشطر الأكبر من التاريخ لطالما كان المجال الإعلامي تحت هيمنة فئات
محددة من الأشخاص، حيث أن بدأ أي مؤسسة إعلامية تقليدية مثل صحيفة أو
مجلة أو إذاعة أو حتى قناة تلفزيونية أمر مكلف للغاية، وبالنتيجة بقي
الإعلام تحت سيطرة من يستطيعون تحمل التكلفة الهائلة للاستثمار الأولي.

لكن الأمور تغيرت بسرعة عندما بدأ الويب بالانتشار، وسرعان ما بدأت
المواقع والمدونات تقتل الصحافة الورقية وتحتل مكانها، وعندما أتى يوتيوب
أخيراً عام 2005 كان المجال مفتوحاً أمام شيء ربما يقتل الصحافة المرئية
بشكلها المعتاد (قنوات التلفزيون). لكن بالطبع بدأ الأمر ببطء في الواقع،
وكان أول رواد يوتيوب هم ببساطة مراهقون وشباب مع بعض الوقت المتاح
وكاميرا للتسجيل فقط!

في حال عدت إلى الفيديوهات المنشورة على يوتيوب خلال أعوامه الأولى سيكون
من الواضح نوع المحتوى حينها، فقط مراهقون أو شباب يصورون الفيديو في غرف
نومهم دون تعديلات كبرى أو مونتاج أو سواه. لكن مع الوقت تغيرت الأمور
بسرعة، وبالأخص عندما قدم يوتيوب إمكانية الربح عبر الإعلانات لمنتجي
المحتوى، وهنا بدأ مفهوم "يوتيوبر" يتبلور بشكل حقيقي. فمن ينشر الفيديو
على الموقع لم يعد محصوراً بأن يكون هاوياً، بل بات قادراً على اتخاذ
الأمر كعمل يحقق له الربح.

بالطبع ومع ازدياد الإعلانات والمستخدمين وبالتالي العائدات، كان من
المنطقي ارتفاع تكاليف الإنتاج تدريجياً، وبدلاً من الجلوس في غرف نومهم
بدأ منتجو المحتوى بتطوير الأمر أكثر وأكثر لصنع فيديوهات مع جودة أعلى
تكلف أكثر لكنها ضرورية للحفاظ على المتابعين. لكن الأهم ربما هو أن هوية
يوتيوب بقيت بالدرجة الأولى مرتبطة بشخصيات "اليوتيوبرز"، وبقي الموقع
يعبر حقاً عن اسمه*.

* تسمية يوتيوب أتت من كلمتي You (أنت) وTube (تلفاز)، بمعنى أنك أنت
كمستخدم هو من يصنع المحتوى التلفزيوني لهذه المنصة.

الانتقال نحو الشركات والمؤسسات بدلاً من الأشخاص

جميع الشعارات أعلاه تعود لنفس الشبكة الإعلامية الكبرى المسماة Vox
Media والتي تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات.

مع النمو المستمر لمنصة يوتيوب إلى عشرات ومن ثم مئات ملايين المستخدمين
(يقدر عدد المستخدمين اليوم بحوالي 1.8 مليار مستخدم) باتت المؤسسات
الإعلامية التقليدية تدرك بسرعة أن يوتيوب لن يختفي حقاً، وطالما أنك لا
تستطيع التغلب عليه فخيارك الأفضل هو الانضمام إليه ببساطة. ومن هنا بدأت
عشرات القنوات الرسمية للشبكات التلفزيونية والصحف والشبكات الإعلامية
الكبرى وحتى علامات الموسيقى بالظهور في كل مكان.

ببساطة بات إطلاق الأغاني أو الأخبار أو حتى فيديوهات الإعلانات أمراً
أكثر ملائمة على يوتيوب مقارنة بالأماكن الأخرى. وبالنتيجة بدأت القنوات
التابعة للشركات بمحاولة استقطاب المستخدمين عبر يوتيوب بإنتاج محتوى
مخصص للمنصة. ومع أن هذه المحاولات قد أظهرت فشلاً نسبياً في العالم
الغربي حيث لا يزال المتابعون متعلقين بشخصية صانع المحتوى، فالأمر مختلف
في الدول النامية وبالأخص في الهند حيث لم تكن ثقافة الإنترنت موجودة
أصلاً بل بدأت بالظهور والتمدد مؤخراً فقط.

حالياً يمكن ملاحظة مدى تأثير الشركات على عالم يوتيوب من النمو الهائل
الذي حققته شركة الإنتاج الموسيقي الهندية T-Series وحتى الشركات
المشابهة لها مثل SET India وZee Music Company. لكن الأمر ليس مختصراً
بهذه القنوات فقط، بل بموقف منصة يوتيوب نفسها من المحتوى الذي ينشر
عليها والمعايير التي تفرضها على المحتوى ليكون "مناسباً للمعلنين".

الضرب حيث الأمر أكثر إيلاماً

واحدة من النقاط المهمة التي يجب الالتفات إليها في يوتيوب هي مدى اهتمام
صناع المحتوى بأداء محتواهم على المنصة. فبينما عادة ما يكون صانع
المحتوى الوحيد مهتماً بوجود الإعلانات على ما يصنعه ليحقق الربح من
قناته ويتمكن من الاستمرار في مجاله، فالأمر مختلف للشركات، حيث أن
الشركات لا تصنع الفيديو للربح مباشرة من الإعلانات، بل أنها تخسر فعلياً
مع كل فيديو تصنعه (كون الإنتاج يكلفها أكثر من العائدات) لكنها لا تهتم
بل هدفها هو إدراك المتابعين لوجودها بالدرجة الأولى.

بالنتيجة ومع كون منصات الإعلام التقليدي غير مهتمة بالربح من إعلانات
يوتيوب، بل وتمتلك مصلحة كبرى في فشل الإعلانات على يوتيوب كون الإعلانات
التي تذهب للمنصات الناشئة و"البديلة" تعتبر إعلانات ضائعة للإعلام
التقليدي. لذا ومع كون محتوى الشبكات الكبرى قد أثبت فشله على يوتيوب،
بات من المنطقي كون هذه الشبكات تتصيد الثغرات لتحارب يوتيوب وتأثيره
بمحاولة حرمان المنصة ومستخدميها من الإعلانات التي تمول المنصة.

بالطبع فالكثيرون لا زالوا يتذكرون ما سمي بـ Adpocalypse حين قامت
مجموعة من الصحف التقليدية الكبرى بنشر مقالات مخصصة للهجوم على يوتيوب
والمحتوى المنشور عليه. في حينها تركز الهجوم على جبهتين هما المحتوى
الكوميدي المهين أو المثير للجدل مثل نجم الموقع بيوديباي، لكن وبشكل أهم
على فيديوهات لتنظيمات إرهابية متطرفة تم تمويلها عبر الإعلانات على
يوتيوب، ومع كون الصحف تواصلت بسرعة مع أكبر الشركات المعلنة على يوتيوب
فقد كبر الأمر بسرعة هائلة.

خلال أيام فقط من الحملة المنظمة بعناية عام 2017، بدأ المعلنون بسحب
إعلاناتهم كونهم لا يريدون أن تظهر على مقاطع فيديو لمتطرفين، وبالطبع
اضطر يوتيوب إلى وضع سياسات حازمة جداً بشأن المحتوى "المناسب للمعلنين"،
وبالطبع لم يقتصر الأمر على مقاطع المتطرفين، بل امتد إلى كل شيء يتضمن
أية كلمات غير مرغوب بها وبالأخص في النقاشات السياسية والاجتماعية.

لإصلاح الأمر قدر الإمكان لم يكتفِ يوتيوب بمعاقبة معظم صانعي المحتوى
عليه بشكل غير مباشر، بل بات مرغماً على ترويج محتوى المنصات الإعلامية
التقليدية لإرضائها ومحاولة تجنب انتقاداتها وحرب الإعلانات الجارية.
بالنتيجة بات من المعروف اليوم أن "الفيديوهات الرائجة" مثلاً غالباً ما
تتضمن فيديوهات الشركات الكبرى ولو كانت تؤدي أسوأ من نظيرتها من صانعي
المحتوى المستقلين، كما أن تطبيق يوتيوب مثلاً محشو بنوافذ عدة لتقديم
الأخبار من شبكات إعلامية محددة فقط.

التغيير الذي لا يمكن عكسه

لا يهم رأي الجمهور حقاً، حيث أن "روح يوتيوب باتت بيد الشركات الإعلامية
التقليدية بدلاً من صانع المحتوى الوحيد.

طوال مسيرة يوتيوب مر الموقع ضمن الكثير من المراحل التي يميز حدودها
تغيرات كبرى في طريقة عرض الفيديوهات المقترحة، وطوال السنوات ظهرت وماتت
العديد من أنواع المحتوى بداية من الأنيميشن ومروراً بفيديوهات الألعاب
وحتى مؤخراً المقالب. لكن الواضح ضمن كل هذه الفترات هو أن الموقع يتحول
تدريجياً إلى منصة للشركات كما الإعلام التقليدي بدلاً من البقاء موجهاً
نحو صناع المحتوى الأفراد.

نظرة سريعة على فيديو YouTube Rewind 2018 كافية لإظهار الأمر، فالفيديو
خالٍ من بعض أهم صانعي المحتوى على الموقع، لكنه بالمقابل يتضمن شخصيات
مثل الممثل Will Smith ومقدم البرامج John Oliver. باختصار هؤلاء لا
يعبرون عن "روح يوتيوب" المعتادة، بل أنهم الشكل "الشركاتي" الذي يريده
يوتيوب لنفسه اليوم، وربما لا يمتلك الموقع خياراً حقيقياً سوى التحول
إلى ذلك الشكل.

بالطبع لا يزال موقع يوتيوب مفتوحاً أمام صناع المحتوى الجدد، وحتى اليوم
لا زال بإمكانك أن تصنع قناة وتنشر فيديوهات لا تتضمن سوى وجهك وأنت
تتحدث في غرفتك. لكن بينما كان من الممكن لأمر كهذا أن يقودك للنجاح في
الماضي، فالأمر أصعب بكثير اليوم ويبدو أنه يتجه للاستحالة. فالمنصة
متخمة أصلاً بمئات آلاف (إن لم يكن ملايين) صناع المحتوى الطامحين من
جهة، كما أنها تتجه بشكل واضح لمحاباة الشركات.

بيوديباي والمعركة المحسومة

معركة بيوديباي خاسرة دون شك، لكن هذا لم يمنع حدوث حملة ربما هي الأكبر
في تاريخ الإنترنت لإبقاءه على القمة لأطول وقت ممكن.

على الرغم من أن "معركة بيوديباي وتي سيريز" قد شغلت ثقافة الإنترنت طوال
الأشهر الماضية وقادت نحو حالة غريبة حيث تكاتف الملايين للحفاظ على تقدم
شاب سويدي وحيد مقابل شركة هندية عملاقة، فالواقع هو أن الجميع بداية من
فيليكس ووصولاً إلى أضغر متابعيه واثقون من الخسارة. الجميع يعرف أن
مسألة تجاوز T-Series لبيوديباي هي مسألة وقت فقط وبعدما حصلت لم يكن أحد
مصدوماً حقاً.

على العموم وبغض النظر عن نهاية قصة بيوديباي مع كونه أكبر قناة على
يوتيوب، فالمعركة بأكملها تبدو أشبه بمحاولة لرثاء "يوتيوب أيام زمان"
وتعبير عن عدم الرضا تجاه يوتيوب اليوم. وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق
هو أن مصطلح "يوتيوبر" سيختفي مع الوقت، ومع المصطلح سيرحل صناع المحتوى
الذين يعتبرهم الكثيرون أشبه بأصدقاء لهم بدلاً من أن ينظروا إليهم
كشخصيات شهيرة كما الممثلين ومقدمي البرامج.

بالطبع فاعتبار "يوتيوبر" كصديق حقيقي هو أمر غير صحي كون صانع المحتوى
هذا لا يعرف أي شيء عنك. لكن على الأقل هناك جانب مختلف للعلاقة بين
اليوتيوبر والمتابع كون المتابعين برون حياة صانع المحتوى ومشاعره
ومتطلباته وكل شيء عنه، بالنتيجة تعرف أنك تشاهد شخصاً حقيقياً وليس مجرد
ممثل يؤدي دوراً أو مقدم يقول ما أعده فريق البرنامج بشكل شبه روبوتي
يمنعك من بناء أي تعاطف معه.

The post "بيوديباي" ضد T-Series: لماذا شغلت هذه المعركة يوتيوب وثقافة
الإنترنت ككل appeared first on أراجيك .

تعليقات

المشاركات الشائعة