لأنك يجب أن تتأمل معي!

وعندما نتحدث عن الكلام الجميل والأسلوب السلس، فنحن أمام الجانب المضيء
من موقع يوتيوب، ونحن أمام الدكتور الجميل نضال قسوم.من الصعب أن نفنّد
وننقد كل السيئين من حولنا. من غير السهل أن تقف كصخرة دفاع ضد كل من
يزيف ويخلط المفاهيم ويؤول على حساب نصرة موقفه المُسبق وعقائده الجاهزة.
من الصعب أن تشير إلى السلبيين السيئين وتنقدهم على الدوام. صعب جداً أن
تفعل ذلك مرة، فكيف يمكنك أن تستمر بفعله لمرات؟!

إلا أن البديل السهل موجود أيضاً، وهو أن نقوم بالإشارة إلى الناس
الطيبين، ونرفعهم إلى الأعلى كي يراهم الجميع أكثر. فأفضل طريقة لنقد
المسيرة الخاطئة، هو أن تشير وتروّج للمسيرة الصحيحة المُحقة. وعندما
نتحدث عن الكلام الجميل والأسلوب السلس، فنحن أمام الجانب المضيء من موقع
يوتيوب، ونحن أمام الدكتور الجميل نضال قسوم.

من خصائص أصحاب القنوات في موقع يوتيوب أنهم يتبنون نوعية خطاب "توصوية"
إن صح التعبير. وهي أن المحاضر في الفيديو يريد أن يقنعك أن كلامه فقط هو
الصحيح وأن مَن عداه هم المخطئون السيئون الأشرار المتربصون بك. لذلك فقط
خذ مني واسمعني أنا فقط، واترك الجميع وتجاهلهم ولا تسمعهم.

يخالف الدكتور نضال هذا النمط تماماً، إذ يتجلى ذلك في العنوان الجميل
لحلقاته، ألا وهو "تأمّل معي"! بمعنى أنه لا فارق بين المحاضر وبين
المشاهد، على العكس، الدكتور يدعوك لأن تكسر المسافة والحواجز، وأن تجلس
بجانبه، وتتأمل فقط ما يطرح ويرى!

توصية! لا لا. اسمعني واترك الآخرين! لا لا. أنا فقط أفهم وغيري لا يفهمون! لا لا.

إنما ماذا؟ إنما تعال إلى جانبي، وتأمل معي! ربما قد تقتنع وربما لا. لا
يدعوك الدكتور لأشياء كثيرة صعبة، ولا يحاول تعويم نفسه بأنه أفضل من
الآخرين وأنه صاحب الحقيقة المطلقة، إنما فقط يقول لك، تأمّل معي! وأعتقد
أن هذه النقطة المميزة به. فأسلوبه لطيف. هادئ غير منفعل. غير مقصي لأحد
ولا ناقد حاد لأحد.

ربما هذا الأسلوب هو السمة الواسمة لكل علماء الفلك ومَن يدرسه، كارل
ساغان كان هادئاً صاحب نظرة شاعرية رومانسية للعالم، ودائماً ما كان يقول
أن دراسة علم الفلك تجلب التواضع للإنسان. يتبعه ربما صاحب الدعابة نيل
ديغراس تايسون. وربما أيضاً ريتشارد فاينمان على الرغم من اختصاصه
الفيزيائي في مجاله مختلف، إلا أنه يتمتع بنفس الصفات السابقة.

من ميزات المحتوى الجميل الذي يقدمه الدكتور نضال أيضاً، أنه متنوع لا
يُطيل به كثيراً، بمعنى أن غالبية الفيديوهات لا تتجاوز الـ 30 دقيقة أو
ما يقاربها. فتكون أشبه بمحاضرات Ted العالمية. وجبة خفيفة في الإلقاء،
دسمة في المضمون. موجهة للمشاهد بشكل مرتب دون أن تثقل كاهله في فهمها
وتتعبه في فكّ بنيانها.

هناك أيضاً سلسلة أفضل ما قرأت، التي يطرحها الدكتور مع نهاية كل عام،
وهي عبارة عن قائمة موجزة بأفضل الكتب التي قرأها. دائماً ما تكون قائمة
جميلة مركزة. تحتوي عُصارة سنة كاملة، توفر على الكثيرين عناء التصفح
لكثير من الكتب غير المهمة، خصوصاً لدى مَن يحبون الانتقائية في القراءة
والاتجاه نحو المحتوى الرصين بشكل فوري.

أخيراً وليس آخراً، رغم أني كنت لا أريد أن أذكر هذه الفقرة لكن لا بد من
قولها، وهو أن الدكتور لم يضيع وقتاً كثيراً في الحديث عن المواضيع
الجدلية الرائجة في اليوتيوب حالياً، من نمط الدين والتطور والخلقية…
الخ. رغم أنه أبدى رأياً في كل موضوع في عدة فيديوهات سابقة، إلا أنه لم
يبقَ بها كثيراً ويحاول الإقناع والتوجيه كما يفعل البقية. فقط أبدى
رأياً موضحاً بالأدلة ثم مضى، ترك الموضوع وانصرف لمناقشة مواضيع أخرى
جميلة.

عكس البعض حالياً، الذين تراهم يستغلون هذه المواضيع حصراً، فقط من أجل
خلق الجدل، وتحقيق المشاهدات، وافتعال المشاكل هنا وهناك. لا سيما أن
نظام مواقع التواصل يرى في الجدل مجرد "ترافيك" يُجنى من وراءه الأرباح.
فلا بد من حدوثه!

في النهاية، أريد أن أقول أنّه ينبغي للإنسان أن يتأمل أحياناً، لكن
عندما يكون موضوع التأمل هو ما يطرحه الدكتور قسوم، فنحذف عندها كلمة
ينبغي ونضع كلمة يجب! إذ يصبح التأمل فعلاً واجباً وليس فقط نصيحة عابرة
يجب تطبيقها.

وكما قلنا في البداية، أفضل ما نفعله بدل أن ننقد السيئين ونقف صخرة دفاع
بوجه المزيفين العنصريين، هو أن نشير إلى الطيبين ونحاول أن ننشر ما
يفعلونه ويطرحونه. وعندما نتحدث عن هذا الجانب المضيء، فنحن أما الدكتور
نضال قسوم.

لذلك، اترك كل ما في يدك الآن عزيزي القارئ، وتأمّل معي!

تعليقات

المشاركات الشائعة